بنت تيماء – تبوك
يضرب بـ”هداج تيماء” المثل بالكرم فيوصف الرجل المعطاء بهذا الأسم , إنها بئر أسطورية تقع في وسط مدينة تيماء القديمة التابعة لمنطقة تبوك , يعود تاريخ هذه البئر إلى الألف السادس قبل الميلاد , وتصنف بأنها من أشهر آبار الجزيرة العربية وأغزرها وأعمقها ، ودارت حولها العديد من القصص والأحداث التي تعاقب على روايتها كل من زار مدينة تيماء على مر التاريخ.
تيماء هي مدينة صغيرة بمساحتها كبيرة بتاريخها العريق , يبلغ تعداد سكانها 36 ألف نسمة. وقد اشتهرت هذه المدينة في تاريخها البعيد بخيراتها لدرجة أنها جذبت أحد ملوك بابل للاستقرار فيها سنوات , وتقع تيماء على بعد 260 كيلومترًا جنوب غرب تبوك، وعلى بعد 230 كيلومترًا شمال غرب العلا، على تخوم صحراء النفود، إلا أن موقعها كواحة تتسم بوفرة في مصادر المياه والأراضي الزراعية هو ما جعلها محطة مهمة للقوافل على طريق اللبان القديم.
ويصل محيط فوهة هذا البئر إلى 65 مترًا ، وعمقه يتراوح بين 11 إلى 12 مترًا ، وبني من الحجارة المصقولة ، وتحيط به أشجار النخيل من الجهات الأربعة ، ويستفيد منه الناس في سقي مزارعهم في الماضي ، وفي سقي 100 رأس من الإبل في وقت واحد ، بينما تُنقل المياه من داخله بواسطة 31 قناة حجرية
وتعرّض “بئر هداج” على مر السنين لأحداث عدة كادت أن تؤثر على بقائه إلا أن معالم منه بقيت فأعيد حفره قبل 400 عام تقريبًا ليعود للعمل والعطاء ، واستمر في إمداد الأهالي والمزارع والبادية الرحل بالمياه بواسطة السواني حتى عام 1373هـ عندما زار الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود , مدينة تيماء حيث وقف على البئر ورأى مدى معاناة الأهالي في استخراج المياه فأمر بتركيب أربع مضخات حديثة على البئر
فزادت بعدها الإنتاجية وتوسعت تبعا لذلك الرقعة الزراعية في المنطقة , واليوم يعد هذا البئر أحد أهم المعالم الأثرية والتاريخية والسياحية في المملكة ولاتزال مياهه تنبع إلى الآن ، وأعيد ترميم معالم البئر وإعادتها إلى حالتها التي كانت عليها لكي يكون البئر معلماً سياحيًا مهمًا بالمنطقةً ، وأعيد البئر لوضعه الطبيعي بنفس الأسلوب المتبع في السابق ثم وضع سياج حديدي حولها
يزور تيماء الآلاف من السياح في كل عام، للتعرف على كنوزها التاريخية ، حيث يشبهها الآثاريون والمرشدون السياحيون بالمتحف الشامل، ويتعرّف السياح خلال رحلتهم على معلومات قيمة تختص بالبئر، من ناحية كيفية بنائها ، وتاريخ البئر العتيق ، وطريقة ترميمها بنفس تفاصيلها القديمة، يقدم هذه المعلومات مرشد سياحي مرخص من قِبل وزارة السياحة
ولعل آخر وجهة يقصدها الزائر لتيماء هي قصر ابن رمان الذي شُيد قبل 170 عامًا ، وبناه أمير إمارة تيماء عبدالكريم بن رمان الشمري , حاكم مدينة تيماء في ذلك الزمن , وقد بُني القصر خلال النصف الأول من القرن الهجري الماضي، وبالتحديد في عام 1338هـ؛ واستغرق بناؤه 3 سنوات بينما تبلغ مساحة القصر حوالي 6 آلاف متر مربع , وتم بناء القصر من الطين والحجارة وأبوابه من الخشب المتين ، وزوّدت منارات القصر بحجرات تطل على اتجاهاته الأربعة
ويقع القصر على بعد مسافة قصيرة من بئر هداج سواءً مشيًا على الأقدام أو بالسيارة , ورغم أن الجزء الداخلي منه غير مفتوح أمام الزوار إلا أنهم يستطيعون الاستمتاع بمشاهدة فن عمارة السور والأبراج الخارجية , وخلال زيارة السياح يتعرّفون على تقسيمات القصر، فتوجد ساحة داخلية وأخرى خارجية ، وغرف كثيرة في كل طابق ، وغرفة رئيسة لتجهيز الطعام ، وبئر داخلية وأخرى خارجية ، ويجذب هذا القصر في بنائه الكثير من الزوار لتحصينه المنيع ومكوناته الداخلية ، وتحيطه النخيل والمزارع من كل الاتجاهات
